خبر / مقالة

كلمة السيد وزير التربية في منتدى "المرأة والتربية : وطن وتنمية"

كلمة السيد وزير التربية في منتدى " المرأة والتربية : وطن وتنمية


أيتها السيدات، أيها السادة:
أتشرف بأن أنوب عن راعية المنتدى السيّدة الفاضلة أسماء الأسد عقيلة السيّد الرئيس بشار الأسد رئيس الجمهورية في جلسة افتتاح أعمال المنتدى، ويسرني أن أنقل إليكم تحياتها الطيبة وتمنياتها لضيوفنا الكرام بطيب الإقامة، وللمشاركين كافة بنجاح أعمال المنتدى، وتحقيق الأهداف المرسومة له
وأرحب بكم أجمل ترحيب في وطنكم سورية، وطن العرب جميعاً لا بل الناس جميعاً، ألم يقل: إن لكل إنسان في العالم موطنين، أحدهما مسقط رأسه، وثانيهما سورية مهد الحضارات، ورمز التآخي بين البشر، ومخترعة الأبجدية، وحاملة رسالة المحبة والسلام والنور والحضارة إلى العالم؟
ولئن كان هذا المنتدى \"المرأة والتربية: وطن وتنمية\" يجيء بعد عدة منتديات عقدت قبله حول قضايا المرأة، أولها منتدى \"المرأة والقانون\" الذي عقد في البحرين، ومنتدى \"المرأة والسياسة\" الذي عقد في تونس، و\"المرأة في بلاد المهجر\" الذي عقد في الأردن، ومنتدى \"المرأة والإعلام\" الذي عقد في أبي ظبي \"ومنتدى \"المرأة والاقتصاد\" الذي عقد في الكويت، فإن هذا المنتدى \"المرأة والتربية\" إنما هو تتويج لهذه المنتديات كافة، وتتأتى أهميته من أهمية المرأة في كيان المجتمع، وأهمية التربية في تقدم المجتمع، وأهمية دور المرأة في التربية، وبالتالي في التنمية وبناء الوطن
وإذا كانت التربية هي ملاذ الأمم في التقدم والارتقاء والبناء للمستقبل، وهي وسيلتنا لإعداد الأجيال الصاعدة للاضطلاع بمسؤوليات المستقبل والمشاركة الفعالة في تحقيق أسباب التنمية الشاملة للفرد والمجتمع في جميع مجالات الحياة، فإن المرأة جزء لا يتجزأ من قضايا المستقبل، يرتبط به، ويمهد له في إطار المشروع الحضاري العربي، لأن المرأة شريك كامل في غرس القيم وتربية الرجال والنساء، كما أنها ركيزة أساسية في التنمية والديمقراطية، لا بل هي القلب والجوهر في حركة التنمية الشاملة والمستدامة
وما انعقاد هذا المنتدى في سورية في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها أمتنا العربية إلا أمارة على أن هذه الظروف العصيبة لم ولن تثنينا عن عقد المنتدى في موعده المحدد تأكيداً لصمود أمتنا وصمود نسائها في مواجهة التحديات، وهي رسالة توجهها أمتنا إلى العالم
كما أن انعقاده في سورية في هذه الظروف إنما هو تقدير للدور الذي تؤديه سورية في حياة أمتها بقيادة رئيسها المبدع السيّد الرئيس بشار الأسد، إذ إنها تمثل شموخ الأمة وكبريائها القومي لاترهبها التهديدات ولا تدفعها المغريات إلى التنازل عن شرف الأمة وعزتها وحفاظها على الثوابت القومية بكل شرف وإباء، وعزة وانتماء، انطلاقاً من عمقها الحضاري المتميز بتفوق المرأة وألقها شجاعة وحنكة وإقداماً، ابتداء من الملكة \"سميرا ميس\" ملكة آشور، ويعني اسمها باللغة السريانية العربية، \"المخلصة المنقذة\"، ومروراً بالملكة \"أليسار\"، ويدل اسمها على الشجاعة والإقدام والتدبير، تلك الملكة التي أبحرت من سواحل بلادنا إلى تونس وشيدت مملكتها في قرطاجة بتونس وقد تغنى أرسطو بدستور مملكتها، إذ جعله أرقى دساتير العالم آنذاك في كثير من نواحيه، وبالملكة \"جوليا دومنا\" ابنة حمص، وهي أولى الإمبراطورات العربيات السوريات اللواتي حكمن الإمبراطورية الرومانية، وبجوليا ميزا أختها الإمبراطورة الثانية، وهي أول امرأة دخلت في مجلس الشيوخ الروماني. ثم جاءت \"زنوبيا\" ملكة تدمر التي كادت أن تصبح ملكة العالم آنذاك، جمالاً وخلقاً وثقافة، تضاهي \"سميرا ميس\" في نفوذها، و\"كليوباترا\" في مهاراتها، و\"جوليا دومنا\" في ثقافتها على حد تعبير المستشرق \"تشاد\"، وكانت النساء على قدم المساواة مع الرجال في مملكتها.وعندما جاء الإسلام برسالته السمحة فرض العلم على البنين والبنات وكرَّم المرأة ووفرّ لها حقوقها، فانطلقت إلى ميادين الحياة إلى جانب الرجل سيدّة أعمال ومجاهدة في سبيل الله وشاعرة مجليّة في المنتديات، وهل يمكننا أن ننسى السيدة خديجة أم المؤمنين زوج رسول الله (ص)، وأم عمارة التي حمت رسول الله بنفسها في غزوة أحد، والشاعرة الخنساء التي دفعت بأولادها إلى الجهاد، وأسماء بنت أبي بكر، وخولة بنت الأزور، وسكينة بنت الحسين؟ وأي تكريم للمرأة في الرسالة الإسلامية أجل من أن تكون الجنة تحت أقدام الأمهات، وأن تكون النساء شقائق الرجال مساواة في الوجود الإنساني؟ وأن يكون الناس من نفس واحدة؟ قال تعالى: \"يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبثَّ منهما رجالاً كثيراً \"ونساءً
إلا أن الفهم الخاطئ للنصوص في عصور الانحدار التي مرت بها أمتنا العربية الإسلامية والتي ما تزال منعكساتها السلبية متجذرة في عقول نفر من أبناء أمتنا ويا للأسف! هو الذي أساء إلى المقصد الحقيقي من النصوص الدينية التي كرمت الإنسان أنثى أو ذكراً كان على أنهما من نفس واحدة يعملان معاً لخير المجتمع وبنائه على دعامات من المشاركة والمساواة في الحقوق والواجبات
وها هي ذي مسيرة نضالات المرأة العربية تتجسد على أرض أمتنا في مواجهة العدو الإسرائيلي في فلسطين المحتلة صموداً عزّ نظيره، وشجاعة وبطوة قل مثيلها في عالمنا المعاصر، ذوداً عن الحمى، ودفاعاً عن الأرض، وثأراً للكرامة

أيتها السيدات، أيها السادة:
لقد أولت القيادة السياسية المرأة في بلادنا ومنذ انبلاج فجر الحركة التصحيحية المباركة التي قادها القائد الخالد حافظ الأسد، كل رعاية وعناية واهتمام، إذ إنه أكد دورها الفعال في بناء الوطن والمستقبل، إذ يقول: \"إن المرأة إنسان شأنها شأن الرجل يشتركان معاً في بناء الوطن، في بناء البيت، في بناء المستقبل، لا تمييز بينهما أبداً. عيوننا، جهودنا، عزائمنا، نريدها دائماً باتجاه هذا المستقبل لكي نبنيه سليماً قوياً معافى، لا ظلم فيه، ولا تفرقة ولا تمييز، وإن ممارسة المراة دورها في حاة \"المجتمع ضرورة وطنية قومية إنسانية
ولقد نصت المادة (45) من الدستور السوري على أن تكفل الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية.وعززت نهج التصحيح مسيرة التطوير والتحديث بقيادة رائدها الرئيس المناضل بشار الأسد إذ يقول: \"المرأة هي التي تنشئ وتربي الرجال والنساء، وتهيئهم للمشاركة في بناء وطنهم، وهي التي تسهم في مختلف مواقع العمل في التنمية والتقدم، وهذا يتطلب أن نهيئ لها البيئة الملائمة لكي تكون أكثر فاعلية في \"المجتمع، وبالتالي أكثر قدرة على أداء دورها في تنميته
وفي ضوء نهج التصحيح ومسيرة التطوير والتحديث تبوأت المرأة مكانتها في مختلف ميادين الحياة وصنع القرار وزيرة ومعاونة وزير وسفيرة وعضو مجلس شعب ومديرة وعاملة في القضاء...... الخ، وما على المنظومة التربوية أسرة ومدرسة وإعلاماً ومجتمعاً إلا أن تعزز الدور المنوط بالمرأة في الإسهام في عملية التنمية، وأن تصفي الآثار النمطية السلبية لدور الرجل والمرأة في المجتمع، فتتبوأ المرأة المكانة التي هي جديرة بها في جميع مجالات الحياة ذكاء وشجاعة وتفوقاً وإبداعاً وعملاً متقناً وإخلاصاً في أدائه، حتى يحلق المجتمع بجناحيه معاًفي النهوض بعملية التنمية الشاملة والمستدامة

أيتها السيدات، أيها السادة:
إن المرأة الأم هي المدرسة التي يقتبس منها الطفل معاني التضحية والعطف والوفاء والولاء والوعي والانتماء، وبقدر وعيها يكون النهوض والتفوق والارتقاء، وما أجمل مقولة أديبنا الكبير جبران خليل جبران \"أم راقية أمة راقية\"! ومقولة أمير الشعراء :شوقي إذ يقول
وإذا النساء نشأن في أمية رضع الرجال جهالة وخمولا
\"ومقولة الشاعر الفرنسي \"لامارتين
.\"إذا قرأت الأمُ كتاباً فكأنما قرأه زوجها وأولادها\"
ومن هنا كان تعليمها يعد أولوية أولى في مسيرة التنمية، لما لذلك التعليم من آثار إيجابية على مختلف جوانب حياتها، إثباتاً لوجودها وذاتها وكيانها، واخياراً لشريك حياتها، وزيادة لفرصها في سوق العمل وعملية التنمية، ومطالبة بحقوقها، ومشاركة في الحياة السياسية وقدرة على تحمل المسؤولية وعلى العمل والعطاء، واتخاذ المواقف والقرارات المناسبة، لأن لدى المرأة طاقات إبداعية لابد من استثمارها في خدمة التنمية وتقدم المجتمع بعد أن أثبتت المرأة جدارتها في تناول القضايا العصرية بأسلوب علمي وفي
التعامل المبدع مع تقانة العصر
وإذا كان الاستثمار في التربية يعد أفضل أنواع الاستثمار فإن الاستثمار في تعليم الفتيات يعد أفضل أنواع الاستثمار في التربية، إذ أثبتت الدراسات أن تعليم الأم أكثر تأثيراً من تعليم الأب على الأبناء، وأكبر وعياً بمردود التعليم، كما أن تعليمها ينعكس إيجاباً على الصحة والتغذية ونمو الأطفال وانخفاض الخصوبة وزيادة الدخل، وذلك لأن التعليم الأفضل يساعد المراة خصوصاً على حماية صحتها وصحة أطفالها، ويوسع لها الخيارات الاقتصادية. والدخلُ المرتفع بدوره يحسّن بيئة الحياة، والأسر التي لم تنل حظاً من التعليم تكون عرضة بدرجة عالية لاعتلال الصحة والعجز والفقر والتواكل والسلبية، وتكون ضحية التفكير الخرافي وأساليب الشعوذة. ولقد ربطت منظمة الصحة العالمية بين الصحة والفقر، وإذا كان الفقر يُعرَّف بالطريقة التقليدية على أنه انعدام الدخل فإنه في الوقت نفسه عدم .استقرار وقلق ومرض ومهانة وعجز
ولقد أدت المساعي نحو تمكين المرأة والمساواة بين الجنسين إلى إغناء حياة المرأة وزيادة مشاركتها، وأن توفير رعاية الصحة الإنجابية للجميع والتعليم للجميع وتمكين المرأة في الحياة هي أهداف إنسانية في .حد ذاتها، ولكنها شرط للقضاء على الفقر وإيجاد مجتمع عالمي مستقر وعادل معاً
ولئن كان التعليم حقاً إنساناً ووسيلة لتحسين الرفاه من خلال تأثيره على الإنتاجية وجوانب الحياة الأخرى مثل الصحة والمجال الاقتصادي فإن الاستثمار في الموارد المادية للتعليم ينبغي أن يكمله اهتمام أشد بالنوعية تحسيناً للمناهج وتدريباً للمعلمين، وقد تكون تكاليف تحسين نظم التعليم ضخمة .وعالية، إلا أن كلفة استمرار الجهل لا حدود لها

أيتها السيدات، أيها السادة:
لما كانت التربية هي وسيلتنا لتعرف الكنوز البشرية وتفجير طاقاتها وحشد قواها والارتفاع بمستواها لتكون على مستوى التحديات كانت التربية التي تؤهل الإنسان العربي لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين هي تربية الإبداع التي تحترم ذكاء الفرد وقدراته الابتكارية، ذلك لأن العقل الذي لا يبدع لا يعد عقلاً، وهي التربية التي تزود المتعلم بمهارات التفكير والتخيل والتحاور مع الآخر، وتستشرف المستقبل، وتعمل على توظيف تقانة المعلومات في قراءة هذا المستقبل، ذلك لأن السر الحقيقي في عملية الإبداع إنما يكمن في التربية، فالذين أبدعوا تعلموا مسبقاً كيف يفكرون، وهنا مكمن الإبداع، ولا بد من أن يكون برنامج تعليم التفكير في قمة أولويات التربية، ذلك لأن المستقبل لا يهيء مكاناً لأولئك الذين يختلف ذكاؤهم. وتجدر الإشارة إلى أن الاتجاهات الأسرية الخاطئة واتجاهات المعلمين الخاطئة في التربية مثل استخدام أساليب العنف والقسوة والشدة مع المتعلمين تارة، والتفرقة في معاملة الأبناء .تارة أخرى تؤثر سلباً في إعاقة التفكير الابتكاري عند الطفل، وتعمل على وأد القدرات الإبداعية لديه
ومن هنا كانت التربية المؤدية إلى الإبداع هي التربية المتوازنة، التربية التي لا إفراط فيها ولا تفريط، التربية المفعمة بالمحبة والعطف والحنان وتنمية الشخصية الواثقة من نفسها والمعتمدة على ذاتها والمتحملة لمسؤولياتها تجاه ما يعتريها من عقبات، التربية الإيجابية الفعالة لا السلبية المنفعلة، التربية الديمقراطية الحوارية لا التسلطية المستبدة، التربية التي تتيح الحرية للأطفال لأن يتحركوا ويلعبوا ويعبروا ويسألوا ويستفسروا ويمارسوا الفعاليات بكل عفوية وتلقائية وبإشراف غير مباشر، التربية الجاذبة المشوقة لا المنفردة، والمعززة لا المحبطة، والمتناغمة في التوجيه لا المتنافرة، والمعتمدة مبدأ المشاركة والتعلم التعاوني والمستمر مدى الحياة، والتفكير العلمي الناقد والابتكاري المبدع، والمعززة قيم المواطنة والتمسك بالثوابت القومية والذاتية الثقافية والقيم العربية .الأصيلة مع الانفتاح على روح العصر والحفاظ على كلية المعرفة ووحدتها

أيتها السيدات، أيها السادة:
في منتدانا هذا \"المرأة العربي\" نحيي باسم المشاركين جميعاً نضالات المرأة العربية الفلسطينية وصمودها في وجه العدوان الغادر والاحتلال الإسرائيلي العنصري الاستيطاني البغيض الذي ما ينفك يمارس يومياً أبشع أنواع المجازر الإجرامية ضد أبناء شعبنا في فلسطين المحتلة وفي الجولان السوري المحتل وفي الجزء المتبقي تحت الاحتلال من جنوب لبنان، كما نعلن تضامننا مع المرأة العراقية وندعو إلى رفع الحصار عن شعبنا في العراق، والعمل على إنهاء معاناته الإنسانية، والحيلولة دون إيقاع العدوان .عليه، والحفاظ على وحدة أرضه وشعبه
وباسمكم جميعاً نتوجه بالتحية والإكبار إلى السيدة الفاضلة أسماء الأسد عقيلة السيّد رئيس الجمهورية على رعايتها الكريمة لأعمال المنتدى، وعلى جهودها المتميزة في خدمة الطفولة وقضايا المرأة والتنمية، كما نتوجه بأسمى آيات التقدير والإكبار إلى السيّد الرئيس بشار الأسد رئيس الجمهورية على دعمه لحقوق المرأة، وتمكينها من اتخاذ دورها الفعال في صنع القرار في ميادين التنمية، وعل رعايته الكريمة للتربية، وتوفير مستلزماتها وللمشروع الوطني للتطوير التربوي وحفاظه على حقوق الأمة وثوابتها .القومية، وعلى شرف الأمة وعزتها

وفقنا الله جميعاً لما فيه خير أمتنا وتقدمها وارتقاؤها
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته