كلمة الأســـتاذ الدكتــور علي ســــعد وزيــــر التربيـــة رئيس اللجنة الوطنية السورية للتربية والثقافة والعلوم في أعمال الدورة الـ / 184 / للمجلس التنفيذي لليونسكو المنعقدة في مقر المنظمة في باريس خلال الفترة 31 آذار – 15 نيسان 2010م
السيدة الينورا ميترو فانوفا رئيس المجلس التنفيذي
السيدة إيرينا بوكوفا المدير العام لليونسكو
أصحاب المعالي... أعضاء المجلس...
السيدات والسادة الحضور...
يسعدني أن أجدد دعم بلادي لليونسكو وللسيدة المدير العام والسيدة رئيس المجلس التنفيذي وفق مبادئ المنظمة التي تأسست عليها؛ ووفق خطاب كل من السيدة المدير العام والسيدة رئيس المجلس التنفيذي عند بدء مهمتيهما الجديدتين... التي قرأنا فيهما جدية لتطوير عمل اليونسكو انطلاقاً من روح هذه المنظمة الدولية ومن دعم مميز من الدول الأعضاء وفق المواقف المعلنة حتى الآن؛ مما يسمح بالتنبؤ بدور فاعل يتحول إلى خطط وبرامج ترقى بالمنظمة إلى ما ينسجم مع طموح العاملين في حقول التربية والثقافة والعلوم على امتداد العالم...
وإذا كانت اليونسكو تمثل ضمير العالم فإن علينا السيدة المديرة العامة والسيدة رئيس المجلس ونحن جميعاً أن نمثل ضمير اليونسكو... وبقدر ما تبقى ضمائرنا المهنية والإنسانية حيةً ملتزمةً بالمساواة والعدالة والقيام بالواجب سيبقى ضمير اليونسكو حقاً فعالاً محترماً؛ وسيكون كوكبنا أفضل مما هو عليه الآن بالتأكيد.
وفي هذا السياق نأمل أن نرى الكم الهائل من القرارات والتوجهات والنداءات التي أصدرتها مؤتمرات اليونسكو وهيئاتها مطبقة لما فيه تحقيق الأهداف النبيلة.
قرارات من مثل: التعليم للجميع؛ التعليم النوعي؛ تعاون الجنوب / جنوب؛ الاهتمام بمرحلة الطفولة المبكرة؛ دمج التكنولوجيا في التعليم؛ الاهتمام بالمتفوقين والمتميزين؛ التعليم الدامج لدمج أصحاب الإعاقات والمهمشين؛ الجدية أكثر ببحوث المناخ والتغيرات المناخية؛ وحوار الثقافات وثقافة السلام وغيرها الكثير من الاهتمامات ذات الصلة في ميادين اختصاص اليونسكو.
ومع أننا نعلم جميعاً أن أسباب عدم إتمام هذه القرارات لأغراضها لا يتعلق بقيادات اليونسكو المتعاقبة بقدر ما يتعلق بظروف موضوعية أخرى تتصل أحياناً بكم ونوع الإمكانات المطلوبة والإرادة السياسية والمهنية المناسبة... ولكن في أحيان أخرى تتصل برغبة التعطيل لدى بعض الدول غير المقتنعة برسالة اليونسكو إلا حين ترى فيها أو ببعض جوانبها مصلحة لها... وكذلك تنتمي إلى اليونسكو ثم تنسحب ثم تعود؛ دول هي في الأصل تريد أن تختزل الدول الأخرى وتاريخها ومصالحها فتتحدث باسم المجتمع الدولي دون استئذان أو تفويض حتى ولو كان للعالم بغالبيته المطلقة رأي آخر؛ بل تتجاهل قرارات مؤسسات المجتمع الدولي نفسه حتى ولو كانت مشاركة هي فيها. وتتراجع عنها بحجج لا يقبلها عقل أو منطق... على الرغم من ذلك كله علينا في اليونسكو أن نحصن منظمتنا من محاولات سيطرة تبدو ظاهرة حيناً ومستترة أحياناً أخرى نشطة وغير بريئة أو أخلاقية في الأروقة والكواليس لإرغام اليونسكو على التنكر لقرارات درجت على اتخاذها منذ سنوات وتكرار اتخاذها هو بسبب عدم قبول الجهات المعنية الأخذ بها بل ورفضها وتجاهلها هي والمنظمة التي اتخذتها... وأعني هنا تحديداً القرارات ذات الصلة بالواقع التعليمي والثقافي والعلمي والإنساني والحقوقي في الأراضي الفلسطينية المحتلة والجولان السوري المحتل وما تبقى من الأراضي اللبنانية المحتلة...
حيث درجت اليونسكو بمؤتمراتها وهيئاتها على تسليط الضوء على المعاناة التي لم يشهد التاريخ مثيلاً لها مثلما لم يشهد التاريخ مثيلاً لهذا الكيان الإرهابي الذي يحتل الأرض ويغير معالم الهوية ويشكل بذلك خطراً على الأمن والسلام الدوليين من خلال كراهيته وممارساته وجداره العنصري واستمرار تعطيل كل مظاهر الحياة فمحرقة الفوسفور في غزة والمحرقة الثقافية والإنسانية في القدس والاستيلاء بالتزوير على تاريخ صنعه شعب هو الأصل في المنطقة وله إسهامات خدمت الإنسانية جمعاء.
ومع ذلك تشهد أروقة اللجان محاولات ينبغي ألا تمر لتقزيم صياغة القرارات ذات الصلة بحجة أن هذه القضايا من شأن منظمات دولية أخرى كما سمعنا بالأمس.
لذلك ننصح من يتبعون هذا الأسلوب بالكف عنه لأن الجميع هنا راشد ولا يحتاج لمن يأخذ بيده ليؤثر على أخلاقه ورؤاه.
السيدات والسادة:
هل يقبل أحد من الحضور باحتلال شبر من أرضه؟.
هل يقبل أحد من الحضور بطمس ثقافته وهويته وتدمير مدارسه ومناهج وطنه واستبدالها بأخرى؟.
هل يقبل أحد بالتنازل عن مقدساته؟.
هل يقبل أحد بأن تتزين صورة المحتل والاحتلال ولا يسمي الأمور بأسمائها؟.
هل يقبل أحد بكل ذلك ولا يتحول إلى مقاوم أو بالحد الأدنى أن يدعم المقاومين في التصدي لذلك؟.
إذا كان الجميع لا يقبل وأنا متأكد من ذلك فلماذا محاولات التزوير والتحايل في الرؤيا من قبل البعض؟.
علينا أن نسمي الأشياء بأسمائها فالاحتلال احتلال والعنصرية عنصرية والظلم ظلم.
ألا تتطلب التربية شفافية وصدقاً وعلاقة واضحة؟ وأي شذوذ في علاقة الدال والمدلول تشوه الفهم والحقيقة وإذا كان ذلك مقصوداً فهو عمل مشين.
ونرى أن على المحتلين الذين يحتلون أوطاناً وأراضي الغير ويدمرون ويشوهون الثقافة وكل مظاهر الحياة فيه أن يكونوا (شجعاناً) بقدر شجاعتهم على التدمير والحرق والتشويه فيعترفون ولا يتهربون أو يخجلون من مسمياتهم الجديدة؛ كمحتلين ومجرمين وقتله تلاحقهم العدالة وتقارير حقوق الإنسان كمجرمي إبادة إنسانية...
السيدات والسادة:
إسرائيل بالنسبة لنا كيان إرهابي يحتل أرضنا ويشوه ثقافتنا فيها ويعطل التنمية الشاملة ولا سيما الثقافية والعلمية مع أننا نعرف أنه لا يمكن أن ترضخ وتعيد الحقوق بقرارات تربوية نزيهة الغرض وتنتصر للحقوق التي تأخذها منظمتنا عادة وتساعد في إبقاء الحقيقة ماثلة.
كما نعلم في منطقتنا أنه لا يمكن أن يرضخ ويحقق السلام دون مقاومة شريفة تجبره على السلام لذلك فإننا عندما ندعم المقاومة فإننا ندعم فرص السلام؛ السلام الذي لن يتحقق مثلما هي شواهد التاريخ كلها مع المحتلين دون مقاومة تأخذ أشكالاً عدة...
وستبقى إسرائيل دولة احتلال بغيضة حتى تتخلى وترضخ للسلام وفق قرارات الشرعية الدولية التي اعتبرتها وتعتبرها محتلة لأراضي الغير واعتقد أن كل بلداننا شاركت في هذه القرارات.
السيدات والسادة الحضور:
لعل ما يضيف إلى هذه الدورة أهمية خاصة أنها تناقش وتبحث قضايا هامة بعضها دولي يحتاج لتضافر جهودنا وتكامل رؤانا في معالجتها؛ وبعضها إقليمي لكن آثاره وانعكاساته الاجتماعية والسياسية والإنسانية لا تقبع ضمن حدوده الجغرافية؛ وإنما تمتد لتؤثر على السلام والأمن في ساحات ومناطق أوسع في العالم؛ والبعض الآخر وطني بحاجة لبحث وتشاور حينما يتعارض مع مصلحة البلد وسيادته.
ويسرنا في هذه المناسبة أن نقدر أهمية التعاون المثمر الذي تتسع آفاقه ومجالاته عاماً بعد عام مع اليونسكو والذي نلمس آثاره العملية ضمن مشروعات تربوية وثقافية وعلمية وتنموية متجددة.
إننا في سورية ومنذ أن شاركنا بتأسيس منظمتنا العتيدة نقدر ونلتزم مبادئها وتعهداتها ونعمل من خلال المشاركة والمشروعات التي نتعاون لتنفيذها لتحقيق أهداف المنظمة؛ كما نقدر اليوم عالياً الجهود المبذولة من السيدة رئيس المجلس التنفيذي ومساعديها في الإعداد لهذه الدورة؛ سيما وأنها ستناقش كما هو مدرج في مشروع جدول الأعمال موضوعات على غاية الأهمية في مسيرة التربية والتعليم والثقافة والاتصال في معظم دول العالم الذي يعاني أزمات وتحديات سياسية واقتصادية وثقافية وتربوية متشابكة يزداد تعقيدها وتتنوع آثارها على الأنظمة التربوية والاجتماعية كافة مما يعيق تحقيق رسالة اليونسكو النبيلة وبناء حصون السلام في عقول البشر.
إننا نرى في تبني المنظمة ودعمها وتشجيعها مراحل وخطوات تعاون الجنوب / جنوب مسألة غاية في الأهمية والفائدة بالنسبة للدول المعنية التي تشترك إلى حد كبير بعدد من الميزات التراثية والثقافية ويجعل من عملية تبادل الخبرات والتجارب فيما بينها أمراً مثمراً وأكثر فعالية للنهوض ببرامج وخطط التطوير التنموي المختلفة.
كما أن اعتبار سنة 2010م سنة دولية لتقارب الحضارات أمر يتطلب منا جميعاً معرفة وتحديداً أعمق لدقة المفهوم وآليات تفعيل الأنشطة التي يخطط لها في إطار هذه الاحتفالية النوعية والتي لابد أن توجه لتكون منسجمة كل الانسجام مع الشرائع التي تتبناها وتأخذ بها منظمة الأمم المتحدة؛ لتكريس ثقافة الحوار واحترام الآخر؛ ومنع القوى الكبرى من استغلال المنابر والقنوات الدولية لمصالحها وتحالفاتها الخاصة التي غالباً ما تكون على حساب القوى والشعوب الأقل قوة.
ولا يفوتنا ونحن نتحدث عن ضرورة إنقاذ التراث الإنساني والحفاظ عليه من الإشارة إلى جهود المنظمة والسيدة المدير العام بتقديم الدعم الإنساني والنوعي لمواجهة كارثة الزلزال المدمر الذي أصاب هايتي وعرض شعبها إلى المرض والجوع والحاجة؛ وأمام هذه الكارثة الكبرى ساهمت حكومة الجمهورية العربية السورية بتوجيه السيد الرئيس بشار الأسد بإرسال مساعدات طبية وغذائية للشعب الطيب في هذا البلد المنكوب مؤخراً.
السيدات والسادة الحضور:
تكرّم المؤتمر العام في دورته الخامسة والثلاثين بالموافقة على إقامة مركز إقليمي للتنمية في مرحلة الطفولة المبكرة في الجمهورية العربية السورية من الفئة الثانية يعمل تحت رعاية اليونسكو، وكلنا ثقة اليوم بتقديركم الواعي أهمية احتضان دمشق هذا المركز ودعمه ورعايته في منطقتنا العربية التي تحتاج إلى المزيد من الجهود الخلاقة في مجال رعاية الطفولة المبكرة سيما وأن دراسات المتخصصين أكدت الأهمية والطموح الكبيرين ...
كما أن دمشق ستحتضن المؤتمر العربي عالي المستوى حول الطفولة المبكرة بداية تموز القادم والذي سينظم بالتعاون بين وزارة التربية في الجمهورية العربية السورية واليونسكو؛ ويسعدنا في الوقت نفسه اعتزامنا على المشاركة في المؤتمر الدولي للطفولة المبكرة الذي سيعقد في موسكو أواخر أيلول القادم.
إننا في هذه المناسبة نعرب عن تقديرنا الكبير في سورية لزيارة السيدة المدير العام لليونسكو القريبة؛ إلى سورية قبل نهاية شهر نيسان الحالي بدعوة كريمة من القيادة السورية؛ وستكون بكل التأكيد فرصةً غنية ومحطة جديدة لتوسيع مجالات التعاون مع المنظمة.
السيدات والسادة – أيها الحضور الكريم ..
إننا في سورية ندرك التحديات ونحاول أن نتجاوزها بدعم من إرادة سياسية عليا تتمثل بالسيد رئيس الجمهورية السيد الرئيس بشار الأسد كما نعتز بما تشهده سورية من نهوض تنموي شامل وتقدم ملموس في مجالات التربية والثقافة والعلوم والاتصال؛ حيث تتركز استراتيجية سورية في مجال التطوير التربوي هذه الأيام على تحقيق نوعية التعليم وما تقتضيه من تعميق وتعميم لدمج التكنولوجيا في التعليم وطرق التدريس اللازمة لها, وإعداد وتأهيل المعلمين والمدرسين؛ ورفع مهارات الطلبة عموماً والعناية بالمتميزين من خلال افتتاح المركز الوطني للمتميزين مع تحقيق تطوير شامل للمناهج التربوية لمراحل التعليم كافة ووفقاً لمعايير وطنية تم إعدادها سابقاً.
كما تسعى وزارة التربية إلى المحافظة على نسب الالتحاق العالية التي حققتها مقتربة بها من المائة بالمائة؛ فضلاً عن إتاحة الفرص أمام الجنسين والتصدي لحالات التسرب بالجدية والفعالية المطلوبة, ودمج ذوي الحاجات الخاصة والفئات المهمشة في تعليم جامع وعادل؛ وتأمين رعاية خاصة للبدو الرحل ببناء مدارس خاصة ترافقهم في ترحالهم؛ مستفيدة في ذلك من توظيف مناسب للإعلام التربوي عبر القناة التربوية السورية التي أنشأتها وزارة التربية وتملكها ملكية كاملة وبدأت عملها منذ عام؛ وهذا ما سيؤدي إلى رفع مستوى الكفاية الداخلية والخارجية للنظام التربوي بحيث نمكنه من مواجهة التحديات الكبرى التي تطال جوانب حياة مجتمعنا الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية بتوفير نظم تربوية عادلة قوية.
بقي أن تنظر وتوجه اليونسكو باتجاه فعل حقيقي في مواجهة تحديات الأنظمة التربوية؛ تقنية، ثقافية، معرفية؛ في إطار النوعية وتبادل الخبرات.
ختاماً، نشكر الجهود التي بذلها العاملون في المجلس التنفيذي لإعداد هذا الاجتماع وموضوعاته وقراراته ونؤكد رغبة بلدنا سورية بتعزيز التعاون مع اليونسكو والانفتاح على التجارب العالمية في ميادين التربية والثقافة والعلوم والاتصال.
شكراً لحسن الاستماع